بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عليه نتوكل، وعنده مفاتح القلوب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين المكرمين الهداة المهديين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين. قال الله الحكيم في كتابه العزيز:
﴿ فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ آل عمران[37]
يا لحلاوة وجمال هذه اللآية ! وكل آيات القرآن الكريم جميلة وعميقة، لا بد لكل مؤمن ومؤمنة أن يفكر بوصايا القرآن الكريم ويتدبر آياته ﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾ النساء[82] يعني، إما أن تتدبروا في القرآن وإما أن يُقفل قلبك فلا تصل إليه ! هذا أسلوب ترغيب وتحريض وتشويق للتدبر في الآيات .
إن هذا الكتاب العظيم يحتوي على كثير من المعارف اللازمة للإنسان ومن جملتها هذه الآية التي قرأتها آنفاً ﴿ وتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا…﴾ إلى آخرها حيث تتضمن مجموعة نقاط حول شخصية المرأة ودورها في الأسرة والمجتمع.
نبدأ بالنقطة الأولى، قال تعالى: ﴿وتقبلها﴾ هل تشعرن بهذه الكلمة؟ عادة لا نجد في القرآن إسناد القبول إلى الشخص، بل نجد إسناد القبول إلى العمل، نحن بعد كل صلاة ، نقول للشخص الذي يصلي إلى جانبنا : تقبل الله أعمالك، كما أن القرآن يتحدث بهذا الخطاب أيضاً، ﴿ يقبل التوبة عن عباده"﴾التوبة[104]، وبعبارة أخرى العامل يصدر منه عمل، وهو التوبة، والله سبحانه وتعالى لا يقبل الشخص، لا يقبل العامل بل يقبل العمل ﴿ لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم ﴾الحج[37] يعني هذا العامل إذا عمل عملاً مع التقوى ينال الله تعالى هذا العمل بهذا الوصف ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾ إذا كان العامل متقياً الله سبحانه وتعالى فهو يتقبل عمله ، وعمله في هذه الآية هو التوبة.
﴿ هو الذي يقبل التوبة من عباده﴾، هذا هو المتعارف في القرآن، ولكن في بعض الأحيان لا يتحدث القرآن الكريم بهذه الصيغة بل بصيغة أخرى ليفهمنا ويعلمنا أن هذه المسألة كبيرة وينبغي أن تفكرن وتتمعن فيها، يقول ﴿وتقبلها﴾ يعني الله سبحانه وتعالى تقبل مريم، تقبل العاملة بدل أن يقول وتقبل نذرها ﴿إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم﴾ آل عمران[35]. يفترض أن يقول الله سبحانه وتعالى : وتقبّل نذرها بقبول حسن، ولكن نرى أنه تعالى قال ﴿وتقبلها﴾ وهذه ليست المرة الأولى التي نجد فيها اختلافاً في تعبير القرآن فمرة يقول ﴿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾الشعراء [226]. بينما في بعض الآيات يقول ﴿ إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ﴾ الأعراف[197].وفي نفس هذه الآيات يقول: ﴿هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة…﴾ آل عمران[38]. إلى أن قال : ﴿إن الله يبشرك بكلمة من الله وسيداً ونبياً من الصالحين﴾ آل عمران [39]. ولم يقل : من الذين يعملون الصالحات ، هناك فرق بين ﴿ عملوا الصالحات﴾، و﴿ الصالحين ﴾ في هذه الآيات المحددة حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يذكر مريم، يقول وتقبلها بدل أن يقول وتقبل نذرها، وحينما يذكر يحيي يقول:
﴿ الصالحين ﴾ بدل أن يقول : ﴿الذين عملوا الصالحات﴾ .
هل تشعرون بأن هذه الآيات لها نوع خاص من التعبير يحتاج إلى اختصاص تفكر وتدبر؟ حقيقةً يعجز لساني عن مدح هذه الآيات .
كما يقول الشاعر ( ترجمة أبيات بالفارسية) : يا إلهي اطلب منك فماً على قدر السماوات والأرض حتى أمدح هذا القرآن كتابك الذي يغبطه جميع الناس والملائكة .
لقد أعطانا الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب حقيقةً مجانية، ولله الحمد نحن ولدنا في منطقة وفي قسم من الأرض تعرفنا تلقائياً على هذا الكتاب من دون تحمل أي مشقة أو عناء . أو ليست هذه نعمة تحتاج إلى شكر عظيم !! ﴿ ولئن شكرتم لأزيدنكم﴾إبراهيم[7]. فنرى القرآن مرة يعبر ﴿ هو الذي يقبل التوبة ﴾ وأخرى ﴿ وتقبلها ﴾ ومرة يعبّر ﴿وعملوا الصالحات ﴾ ومرة ﴿الصالحين ﴾ وأيضاً نرى في القرآن مرة يقول ﴿ لهم درجات عند ربهم ﴾ الأنفال[4]. لهم مع اللام يعني هناك شخص وهناك درجة بينما في بعض الآيات يقول ﴿ هم درجات ﴾ هم بدون اللام يعني هؤلاء الأشخاص هم الدرجات .
نحن للأسف أميين نقرأ فقط ظاهر الآيات، ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ﴾ هود[118]. ولا نفهم لماذا قال ﴿ولو شاء ربك﴾ ولماذا لم يقل " ولو أراد ربك" ما الفرق بين شاء وأراد؟ ولماذا لم يقل لو شاء الله وقال ربك؟ ولماذا قال ولو ولم يقل وإن شاء ربك؟ كل هذه التساؤلات حول الآيات الكريمة هل هي محض صدفة ؟ بالطبع كلا .
﴿ لو ﴾ هنا لها خصوصيةٌ، ﴿ شاء ﴾ لها خصوصية، في نظام الكون كل شيء يقع في مرتبة ﴿ ما منا إلا له مقام معلوم﴾ هذا الكتاب بما أنه قرطاس له مقام، هذه الخشب هذا الحديد له مقام ،كل شيء له مرتبة ولا يتجاوز عن مرتبته إلى مرتبة أخرى، هذه سنة الله ﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ﴾فاطر[43]، ﴿ تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمات الله ﴾الأنعام[115] .
على هذا الأساس الإنسان موجود خاص، والعمل أيضاً شيء خاص، بين هذا الشيء وذاك الشخص صلة وعلاقة، و إذا لم تتحقق العلاقة بين هذا الشيء وذاك الشخص ، يبقى كل منهما أجنبي بالنسبة للآخر، كما أكون أجنبياً بالنسبة إلى الصلاة، الصلاة عظيمة جداً ولكن صلاتي ضعيفة، لا قيمة لها ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى﴿ويل للمصلين الذين هم في صلاتهم ساهون﴾الماعون[5]. ويل للمصلين، يعني صلاتهم لا شيء، فهنا موجود وموجود آخر، يمكن أن نفرض أن لا صلاة ولا علاقة بين هذا الشيء وذاك الشيء ، هذا يدل على الاتحاد، نعبر عنه بالمصطلح الفلسفي العلمي هو هو ، يمكننا أن نجعل قضية بين هذا الشيء وذلك الشيء ونجعل علاقة هوية، تدل على اتحاد بين هذا الشيء وذاك. في هذه المرحلة يعني بعد أن وجد بينهما نوع علاقة وصلة وارتباط واتصال ، يقبل الله سبحانه وتعالى عمل الإنسان سواء كان العمل توبة أو صلاة أو صوم أو ذكرٍ ، أو أي عمل، بشرط أن يوجد بين هذا العمل وذاك العامل نوع علاقة وصلة، إذاً هناك ثلاث مستويات : في المستوى الأول، لا صلة بين هذا الشخص وذاك الشيء وفي المستوى الثاني هناك علاقة ، وفي المستوى الثالث هذا الشيء تدريجياً شيئاً فشيئاً يتدخل في زوايا وأبعاد ذلك الموجود العامل كأن يذوب هذا العمل في وجود ذلك الشخص و يستهلك وجوده ، هناك فرق بين الإتحاد و الوحدة ، الإتحاد يعني بقاء هذا الشيء وذاك الشيء ولكن مع وجود علاقة وصلة، كذوبان السكر في الماء ، بينما في المستوى الثالث (الوحدة ) يصير هذا الشيء هو ذاك الشيء ويوجد بينهما وحدة وعينية، في هذه المرحلة لا تجد العمل منفكاً عن ذاك الشخص يعني حقيقة هذا العمل تدخل في حقيقة ذلك الإنسان لا نرى انفكاكاً وتمايزاً. يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ هو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾ هذا يدل على أن العامل ضعيف في عمله لم يصل إلى مرتبة العينية مع ذلك العمل، ولم يتدخل العمل في أعماق وجوده بل كان على ظاهره ولم يتدخل في باطنه وملكوته وزواياه بينما إذا قال ﴿وتقبلها﴾ معناه لا تجد فرقاً بين العمل الصالح وبين الإنسان هذا أعلى مراتب العمل وقد وصلت مريم سلام الله عليها إلى هذه المرحلة ﴿وتقبلها﴾.
في دعاء الندبة نجد هذه الكلمات:
"الحمد لله على ما جرى به قضاؤك في أولياؤك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم الوفاء فقبلتهم " لا قبلت أعمالهم "فقبلت نفس الولي نفس الإنسان، بعد هذه الساعة إذا أردتم أن تدعو للمصلي الذي يجلس بجانبكم بدل أن تقولوا له تقبل الله أعمالكم فلتقولوا تقبلكم الله، وهذا شريف جداً ، له معنى عظيم .
تتمة دعاء الندبة: "وقدّمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك.."
وأيضاً نرى هذا الفرق بين من عملوا الصالحات، والصالحين فمرة يبقى الشخص بحاله ويعمل عملاً ما مثل دخولي إلى هذه الغرفة، تظل الغرفة بحالها، وأنا بحالي، ما صارت الغرفة أنا وما صرت أنا الغرفة كل واحد يبقى بحاله، بينما إذا دخل العمل الصالح في قلب الإنسان لا نقول عملوا الصالحات بل نقول الصالحين.
الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عليه نتوكل، وعنده مفاتح القلوب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين المكرمين الهداة المهديين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين. قال الله الحكيم في كتابه العزيز:
﴿ فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ آل عمران[37]
يا لحلاوة وجمال هذه اللآية ! وكل آيات القرآن الكريم جميلة وعميقة، لا بد لكل مؤمن ومؤمنة أن يفكر بوصايا القرآن الكريم ويتدبر آياته ﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾ النساء[82] يعني، إما أن تتدبروا في القرآن وإما أن يُقفل قلبك فلا تصل إليه ! هذا أسلوب ترغيب وتحريض وتشويق للتدبر في الآيات .
إن هذا الكتاب العظيم يحتوي على كثير من المعارف اللازمة للإنسان ومن جملتها هذه الآية التي قرأتها آنفاً ﴿ وتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا…﴾ إلى آخرها حيث تتضمن مجموعة نقاط حول شخصية المرأة ودورها في الأسرة والمجتمع.
نبدأ بالنقطة الأولى، قال تعالى: ﴿وتقبلها﴾ هل تشعرن بهذه الكلمة؟ عادة لا نجد في القرآن إسناد القبول إلى الشخص، بل نجد إسناد القبول إلى العمل، نحن بعد كل صلاة ، نقول للشخص الذي يصلي إلى جانبنا : تقبل الله أعمالك، كما أن القرآن يتحدث بهذا الخطاب أيضاً، ﴿ يقبل التوبة عن عباده"﴾التوبة[104]، وبعبارة أخرى العامل يصدر منه عمل، وهو التوبة، والله سبحانه وتعالى لا يقبل الشخص، لا يقبل العامل بل يقبل العمل ﴿ لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم ﴾الحج[37] يعني هذا العامل إذا عمل عملاً مع التقوى ينال الله تعالى هذا العمل بهذا الوصف ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾ إذا كان العامل متقياً الله سبحانه وتعالى فهو يتقبل عمله ، وعمله في هذه الآية هو التوبة.
﴿ هو الذي يقبل التوبة من عباده﴾، هذا هو المتعارف في القرآن، ولكن في بعض الأحيان لا يتحدث القرآن الكريم بهذه الصيغة بل بصيغة أخرى ليفهمنا ويعلمنا أن هذه المسألة كبيرة وينبغي أن تفكرن وتتمعن فيها، يقول ﴿وتقبلها﴾ يعني الله سبحانه وتعالى تقبل مريم، تقبل العاملة بدل أن يقول وتقبل نذرها ﴿إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم﴾ آل عمران[35]. يفترض أن يقول الله سبحانه وتعالى : وتقبّل نذرها بقبول حسن، ولكن نرى أنه تعالى قال ﴿وتقبلها﴾ وهذه ليست المرة الأولى التي نجد فيها اختلافاً في تعبير القرآن فمرة يقول ﴿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾الشعراء [226]. بينما في بعض الآيات يقول ﴿ إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ﴾ الأعراف[197].وفي نفس هذه الآيات يقول: ﴿هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة…﴾ آل عمران[38]. إلى أن قال : ﴿إن الله يبشرك بكلمة من الله وسيداً ونبياً من الصالحين﴾ آل عمران [39]. ولم يقل : من الذين يعملون الصالحات ، هناك فرق بين ﴿ عملوا الصالحات﴾، و﴿ الصالحين ﴾ في هذه الآيات المحددة حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يذكر مريم، يقول وتقبلها بدل أن يقول وتقبل نذرها، وحينما يذكر يحيي يقول:
﴿ الصالحين ﴾ بدل أن يقول : ﴿الذين عملوا الصالحات﴾ .
هل تشعرون بأن هذه الآيات لها نوع خاص من التعبير يحتاج إلى اختصاص تفكر وتدبر؟ حقيقةً يعجز لساني عن مدح هذه الآيات .
كما يقول الشاعر ( ترجمة أبيات بالفارسية) : يا إلهي اطلب منك فماً على قدر السماوات والأرض حتى أمدح هذا القرآن كتابك الذي يغبطه جميع الناس والملائكة .
لقد أعطانا الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب حقيقةً مجانية، ولله الحمد نحن ولدنا في منطقة وفي قسم من الأرض تعرفنا تلقائياً على هذا الكتاب من دون تحمل أي مشقة أو عناء . أو ليست هذه نعمة تحتاج إلى شكر عظيم !! ﴿ ولئن شكرتم لأزيدنكم﴾إبراهيم[7]. فنرى القرآن مرة يعبر ﴿ هو الذي يقبل التوبة ﴾ وأخرى ﴿ وتقبلها ﴾ ومرة يعبّر ﴿وعملوا الصالحات ﴾ ومرة ﴿الصالحين ﴾ وأيضاً نرى في القرآن مرة يقول ﴿ لهم درجات عند ربهم ﴾ الأنفال[4]. لهم مع اللام يعني هناك شخص وهناك درجة بينما في بعض الآيات يقول ﴿ هم درجات ﴾ هم بدون اللام يعني هؤلاء الأشخاص هم الدرجات .
نحن للأسف أميين نقرأ فقط ظاهر الآيات، ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ﴾ هود[118]. ولا نفهم لماذا قال ﴿ولو شاء ربك﴾ ولماذا لم يقل " ولو أراد ربك" ما الفرق بين شاء وأراد؟ ولماذا لم يقل لو شاء الله وقال ربك؟ ولماذا قال ولو ولم يقل وإن شاء ربك؟ كل هذه التساؤلات حول الآيات الكريمة هل هي محض صدفة ؟ بالطبع كلا .
﴿ لو ﴾ هنا لها خصوصيةٌ، ﴿ شاء ﴾ لها خصوصية، في نظام الكون كل شيء يقع في مرتبة ﴿ ما منا إلا له مقام معلوم﴾ هذا الكتاب بما أنه قرطاس له مقام، هذه الخشب هذا الحديد له مقام ،كل شيء له مرتبة ولا يتجاوز عن مرتبته إلى مرتبة أخرى، هذه سنة الله ﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ﴾فاطر[43]، ﴿ تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمات الله ﴾الأنعام[115] .
على هذا الأساس الإنسان موجود خاص، والعمل أيضاً شيء خاص، بين هذا الشيء وذاك الشخص صلة وعلاقة، و إذا لم تتحقق العلاقة بين هذا الشيء وذاك الشخص ، يبقى كل منهما أجنبي بالنسبة للآخر، كما أكون أجنبياً بالنسبة إلى الصلاة، الصلاة عظيمة جداً ولكن صلاتي ضعيفة، لا قيمة لها ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى﴿ويل للمصلين الذين هم في صلاتهم ساهون﴾الماعون[5]. ويل للمصلين، يعني صلاتهم لا شيء، فهنا موجود وموجود آخر، يمكن أن نفرض أن لا صلاة ولا علاقة بين هذا الشيء وذاك الشيء ، هذا يدل على الاتحاد، نعبر عنه بالمصطلح الفلسفي العلمي هو هو ، يمكننا أن نجعل قضية بين هذا الشيء وذلك الشيء ونجعل علاقة هوية، تدل على اتحاد بين هذا الشيء وذاك. في هذه المرحلة يعني بعد أن وجد بينهما نوع علاقة وصلة وارتباط واتصال ، يقبل الله سبحانه وتعالى عمل الإنسان سواء كان العمل توبة أو صلاة أو صوم أو ذكرٍ ، أو أي عمل، بشرط أن يوجد بين هذا العمل وذاك العامل نوع علاقة وصلة، إذاً هناك ثلاث مستويات : في المستوى الأول، لا صلة بين هذا الشخص وذاك الشيء وفي المستوى الثاني هناك علاقة ، وفي المستوى الثالث هذا الشيء تدريجياً شيئاً فشيئاً يتدخل في زوايا وأبعاد ذلك الموجود العامل كأن يذوب هذا العمل في وجود ذلك الشخص و يستهلك وجوده ، هناك فرق بين الإتحاد و الوحدة ، الإتحاد يعني بقاء هذا الشيء وذاك الشيء ولكن مع وجود علاقة وصلة، كذوبان السكر في الماء ، بينما في المستوى الثالث (الوحدة ) يصير هذا الشيء هو ذاك الشيء ويوجد بينهما وحدة وعينية، في هذه المرحلة لا تجد العمل منفكاً عن ذاك الشخص يعني حقيقة هذا العمل تدخل في حقيقة ذلك الإنسان لا نرى انفكاكاً وتمايزاً. يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ هو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾ هذا يدل على أن العامل ضعيف في عمله لم يصل إلى مرتبة العينية مع ذلك العمل، ولم يتدخل العمل في أعماق وجوده بل كان على ظاهره ولم يتدخل في باطنه وملكوته وزواياه بينما إذا قال ﴿وتقبلها﴾ معناه لا تجد فرقاً بين العمل الصالح وبين الإنسان هذا أعلى مراتب العمل وقد وصلت مريم سلام الله عليها إلى هذه المرحلة ﴿وتقبلها﴾.
في دعاء الندبة نجد هذه الكلمات:
"الحمد لله على ما جرى به قضاؤك في أولياؤك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم الوفاء فقبلتهم " لا قبلت أعمالهم "فقبلت نفس الولي نفس الإنسان، بعد هذه الساعة إذا أردتم أن تدعو للمصلي الذي يجلس بجانبكم بدل أن تقولوا له تقبل الله أعمالكم فلتقولوا تقبلكم الله، وهذا شريف جداً ، له معنى عظيم .
تتمة دعاء الندبة: "وقدّمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك.."
وأيضاً نرى هذا الفرق بين من عملوا الصالحات، والصالحين فمرة يبقى الشخص بحاله ويعمل عملاً ما مثل دخولي إلى هذه الغرفة، تظل الغرفة بحالها، وأنا بحالي، ما صارت الغرفة أنا وما صرت أنا الغرفة كل واحد يبقى بحاله، بينما إذا دخل العمل الصالح في قلب الإنسان لا نقول عملوا الصالحات بل نقول الصالحين.
الخميس نوفمبر 28, 2013 10:09 am من طرف admin
» سيف الله المسلول
الخميس نوفمبر 28, 2013 10:01 am من طرف admin
» تفسير آيات الصيام في سوره البقرة
الخميس مايو 05, 2011 11:16 pm من طرف فهوودي
» قضية اللغة والصوت للخليل
السبت أبريل 02, 2011 10:36 am من طرف admin
» آية الصوم من سورة الأحزاب:
السبت أغسطس 21, 2010 1:50 pm من طرف ابن الازهر
» آيات الصوم من سورة المجادلة:
السبت أغسطس 21, 2010 1:43 pm من طرف ابن الازهر
» آيات الصوم من سورة المائدة:
السبت أغسطس 21, 2010 1:36 pm من طرف ابن الازهر
» آية الصوم من سورة النساء
السبت أغسطس 21, 2010 1:29 pm من طرف ابن الازهر
» كيف نستقبل شهر رمضـان ؟
الجمعة أغسطس 20, 2010 2:34 pm من طرف admin