إقامة الدليل على تحريم الصور والتماثيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد تميزت جماعة أنصار السنة
المحمدية منذ تأسيسها وعلى مدار تاريخها الدعوي المبارك بحرصها الشديد على دعوة
الناس إلى التوحيد الخالص وتنقية عقائدهم من شوائب الشرك والخرافة والوثنية،
وذلك صيانة لجناب التوحيد حتى يظل منيعَ الجانب مصون الحمى.
ويأتي هذا المقال
تأكيدًا لهذه الحقيقة وتعقيبًا على ما أثير في الآونة الأخيرة عبر الفضائيات
والصحف والمجلات من إباحة الصور والتماثيل صناعة وتجارة واتخاذًا.
فنقول
مستعينين بالله عز وجل:
أولا: حماية جناب التوحيد أصل من أصول الدين
ففي
الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض
الحبشة وما فيها من الصور فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد
الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند
الله.
فهؤلاء جمعوا بين فتنة القبور وفتنة التماثيل قال القرطبي: وإنما صور
أوائلهم الصور ليتأسوا بها ويتذكروا أعمالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم؛
ويعبدوا الله عند قبورهم؛ ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن
أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، سدا
للذريعة المؤدية إلى الشرك.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ: هذا الحديث يدل على
تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها، ولا ريب أن كل أمر
منهما محرم على انفراد، فتصوير صور الآدميين يحرم، وبناء المساجد على القبور
أيضا يحرم، قال: والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت
على الحيطان ونحوها، ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء
والصالحين للتبرك بها، والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة
الأوثان، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعليه شرار الخلق عند الله يوم القيامة،
وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه والتلهي محرم وهو من الكبائر، وفاعله من
أشد الناس عذابا يوم القيامة، فإنه ظالم يمثل بأفعال الله التي لا يقدر على
فعلها غيره، وأنه تعالى ـ ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في
أفعاله ـ سبحانه وتعالى. [الكواكب الدراري مجلد 1/82/65]
ثانيا: الصور
والتماثيل وسيلة إلى الشرك والتصوير معناه: نقل شكل الشيء وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت، وإثبات هذا الشكل على لوحة أو ورقة أو تمثال، وكان العلماء يحذرون من التصوير عند الحديث في أمور العقيدة؛ لأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك وادعاء المشاركة لله بالخلق ومضاهاة ذلك، وأول
شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير، حينما أقدم قوم نوح على تصوير الصالحين ونصب صورهم على المجالس.وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير بجميع أنواعه، ونهى عنه، وتوعد من فعله بأشد الوعيد، وأمر بطمس الصور وتغييرها؛ لأن التصوير فيه مضاهاة لخلق الله عز وجل الذي انفرد بالخلق؛ فهذا الإنسان المصور يضاهي خلق الله عز وجل فيما انفرد به من الخلق، ولأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك؛ فأول حدوث
الشرك في الأرض كان سببه التصوير؛ لما زين الشيطان لقوم نوح تصوير الصالحين،
ونصب صورهم على المجالس؛ لأجل تذكر أحوالهم، والاقتداء بهم في العبادة، حتى آل الأمر إلى عبادة تلك الصور، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله.فالتصوير هو منشأ الوثنية كما سبق بيانه في الحديث عن قوم نوح.
ثالثا : أدلة تحريم الصور والتماثيل 1 ـ الوعيد الشديد للمصورين:ـ روى البخاري عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق
كخلقي؟! فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة».ومعناه: لا أحد أشد ظلما من المصور؛ لأنه لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله من إنسان أو بهيمة أو غيرهما من ذوات الأرواح؛ صار مضاهيا لخلق الله، الذي هو خالق كل شيء، وهو رب كل شيء، وهو الذي صور جميع المخلوقات، وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها
حياتها؛ كما قال تعالى: خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير [التغابن:3]، وقال تعالى: هو الله الخالق البارئ المصور [الحشر:24]، ثم إن الله تحدى هؤلاء المصورين الذين يحاولون مضاهاة خلقه أن يوجدوا في تلك الصور التي صوَّروها أرواحًا تحيا بها كما في المخلوق الذي صوَّروا، وهذا بيان لعجزهم
وفشلهم في محاولتهم، وكما أنهم عاجزون عن إيجاد حيوان ذي روح؛ فهم عاجزون عن إيجاد الثمر والحب؛ «فَلْيَخُلقوا حبة».ـ وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي
الله عنها؛ أن رسول الله قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله».
فهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بشدة عذاب المصوِّرين يوم القيامة، وسوء عاقبتهم، وإن
عاشوا في هذه الدنيا سالمين، وسُمُّوا فنَّانين، ونحاتين، فإن لهم مصيرًا
ينتظرهم إن لم يتوبوا؛ لأنهم بعملهم هذا يضاهون بخلق الله، أي: يشابهون بما
يصنعونه من الصور ما صنعه الله من الخلق وتفرد به وهو الخلاق العليم: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار
[الرعد:16].قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ: «وإذا كان هذا فيمن صوَّر صورة على مثال ما خلقه الله من الحيوان؛ فكيف بمن سوى المخلوق برب العالمين، وصرف له شيئًا من العبادة؟!».
2 ـ النهي عن تعليق الصور والأمر بطمسها وإزالتها:
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وقد
سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال «يا عائشة! أشد
الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» قالت عائشة فقطعناه
فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. [مسلم ج14 ص89] (القرام: الستر الرقيق)
وعن القاسم بن محمد عن عائشة أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية. قالت: يا رسول
الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ما أذنبت؟ قال «ما بال هذه النمرقة؟» فقالت:
اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أصحاب هذه الصور يعذبون
يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم» وقال «إن البيت الذي فيه الصور لا
تدخله الملائكة » [رواه البخاري ومسلم] النمرقة: وسادة صغيرة. وخرج مسلم أيضا
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفا إلا سويته.
وخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا
نقضه. ورواه الكشميهني بلفظ «تصاوير» وترجم عليه البخاري رحمه الله بـ «باب نقض
الصور» وساق هذا الحديث. وفي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على:
1 ـ تحريم تعليق
الصور أو ما فيه صورة والأمر بطمسها.
2 ـ تحريم تصويرها سواء كانت مجسمة أو غير
مجسمة لها ظل أو لا ظل لها وهذا مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم، قال النووي رحمه الله: وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل،
وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقًا، وهو مذهب باطل، فإن السّتر الذي
أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل ومع ذلك أمر بنزعه. [مسلم بشرح النووي]
3 ـ أن الصور والتماثيل مانعة من دخول الملائكة.
قطع رأس الصورة يزيل تحريمها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة». [صحيح الجامع]
وخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان
على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب،
فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر
فليقطع فليجعل منه وسادتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا
بالكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج. هذا لفظ أبي داود، ولفظ
الترمذي نحوه، ولفظ النسائي: استأذن جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادخل) فقال كيف
أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطا يوطأ، فإنا
معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير. اهـ.
قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله
ـ: وفي هذا الحديث دلالة على أن الصورة إذا قطع رأسها جاز تركها في البيت لأنها
تكون كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن تصوير الشجر ونحوه مما لا روح فيه
جائز.
ويستدل بالحديث المذكور أيضا على أن قطع غير الرأس من الصور كقطع نصفها
الأسفل ونحوه لا يكفي ولا يبيح استعمالها، ولا يزول به المانع من دخول
الملائكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصور ومحوها، وأخبر أنها تمنع من دخول
الملائكة إلا ما امتهن منها، أو قطع رأسه، فمن ادعى مسوغا لبقاء الصورة في
البيت غير هذين الأمرين فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة
والسلام.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة.
وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها
للجمادات. والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه
وفيه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه
عند من عقل عن الله ورسوله مراده.
وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما
يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع، لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمه،
وليس لأحد أن يستثني من عمومها إلا ما استثناه الشارع.
ولا فرق في هذا بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة في ستر أو قرطاس أو نحوهما، ولا بين صور
الآدميين وغيرها من كل ذي روح، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم، بل التحريم
في صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد، لأن الفتنة بهم أعظم ونصب
صورهم في المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من
دون الله، كما وقع ذلك لقوم نوح. [القول المفيد في حكم التصوير]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد تميزت جماعة أنصار السنة
المحمدية منذ تأسيسها وعلى مدار تاريخها الدعوي المبارك بحرصها الشديد على دعوة
الناس إلى التوحيد الخالص وتنقية عقائدهم من شوائب الشرك والخرافة والوثنية،
وذلك صيانة لجناب التوحيد حتى يظل منيعَ الجانب مصون الحمى.
ويأتي هذا المقال
تأكيدًا لهذه الحقيقة وتعقيبًا على ما أثير في الآونة الأخيرة عبر الفضائيات
والصحف والمجلات من إباحة الصور والتماثيل صناعة وتجارة واتخاذًا.
فنقول
مستعينين بالله عز وجل:
أولا: حماية جناب التوحيد أصل من أصول الدين
ففي
الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض
الحبشة وما فيها من الصور فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد
الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند
الله.
فهؤلاء جمعوا بين فتنة القبور وفتنة التماثيل قال القرطبي: وإنما صور
أوائلهم الصور ليتأسوا بها ويتذكروا أعمالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم؛
ويعبدوا الله عند قبورهم؛ ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن
أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، سدا
للذريعة المؤدية إلى الشرك.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ: هذا الحديث يدل على
تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها، ولا ريب أن كل أمر
منهما محرم على انفراد، فتصوير صور الآدميين يحرم، وبناء المساجد على القبور
أيضا يحرم، قال: والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت
على الحيطان ونحوها، ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء
والصالحين للتبرك بها، والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة
الأوثان، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعليه شرار الخلق عند الله يوم القيامة،
وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه والتلهي محرم وهو من الكبائر، وفاعله من
أشد الناس عذابا يوم القيامة، فإنه ظالم يمثل بأفعال الله التي لا يقدر على
فعلها غيره، وأنه تعالى ـ ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في
أفعاله ـ سبحانه وتعالى. [الكواكب الدراري مجلد 1/82/65]
ثانيا: الصور
والتماثيل وسيلة إلى الشرك والتصوير معناه: نقل شكل الشيء وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت، وإثبات هذا الشكل على لوحة أو ورقة أو تمثال، وكان العلماء يحذرون من التصوير عند الحديث في أمور العقيدة؛ لأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك وادعاء المشاركة لله بالخلق ومضاهاة ذلك، وأول
شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير، حينما أقدم قوم نوح على تصوير الصالحين ونصب صورهم على المجالس.وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير بجميع أنواعه، ونهى عنه، وتوعد من فعله بأشد الوعيد، وأمر بطمس الصور وتغييرها؛ لأن التصوير فيه مضاهاة لخلق الله عز وجل الذي انفرد بالخلق؛ فهذا الإنسان المصور يضاهي خلق الله عز وجل فيما انفرد به من الخلق، ولأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك؛ فأول حدوث
الشرك في الأرض كان سببه التصوير؛ لما زين الشيطان لقوم نوح تصوير الصالحين،
ونصب صورهم على المجالس؛ لأجل تذكر أحوالهم، والاقتداء بهم في العبادة، حتى آل الأمر إلى عبادة تلك الصور، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله.فالتصوير هو منشأ الوثنية كما سبق بيانه في الحديث عن قوم نوح.
ثالثا : أدلة تحريم الصور والتماثيل 1 ـ الوعيد الشديد للمصورين:ـ روى البخاري عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق
كخلقي؟! فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة».ومعناه: لا أحد أشد ظلما من المصور؛ لأنه لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله من إنسان أو بهيمة أو غيرهما من ذوات الأرواح؛ صار مضاهيا لخلق الله، الذي هو خالق كل شيء، وهو رب كل شيء، وهو الذي صور جميع المخلوقات، وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها
حياتها؛ كما قال تعالى: خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير [التغابن:3]، وقال تعالى: هو الله الخالق البارئ المصور [الحشر:24]، ثم إن الله تحدى هؤلاء المصورين الذين يحاولون مضاهاة خلقه أن يوجدوا في تلك الصور التي صوَّروها أرواحًا تحيا بها كما في المخلوق الذي صوَّروا، وهذا بيان لعجزهم
وفشلهم في محاولتهم، وكما أنهم عاجزون عن إيجاد حيوان ذي روح؛ فهم عاجزون عن إيجاد الثمر والحب؛ «فَلْيَخُلقوا حبة».ـ وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي
الله عنها؛ أن رسول الله قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله».
فهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بشدة عذاب المصوِّرين يوم القيامة، وسوء عاقبتهم، وإن
عاشوا في هذه الدنيا سالمين، وسُمُّوا فنَّانين، ونحاتين، فإن لهم مصيرًا
ينتظرهم إن لم يتوبوا؛ لأنهم بعملهم هذا يضاهون بخلق الله، أي: يشابهون بما
يصنعونه من الصور ما صنعه الله من الخلق وتفرد به وهو الخلاق العليم: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار
[الرعد:16].قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ: «وإذا كان هذا فيمن صوَّر صورة على مثال ما خلقه الله من الحيوان؛ فكيف بمن سوى المخلوق برب العالمين، وصرف له شيئًا من العبادة؟!».
2 ـ النهي عن تعليق الصور والأمر بطمسها وإزالتها:
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وقد
سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال «يا عائشة! أشد
الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» قالت عائشة فقطعناه
فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. [مسلم ج14 ص89] (القرام: الستر الرقيق)
وعن القاسم بن محمد عن عائشة أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية. قالت: يا رسول
الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ما أذنبت؟ قال «ما بال هذه النمرقة؟» فقالت:
اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أصحاب هذه الصور يعذبون
يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم» وقال «إن البيت الذي فيه الصور لا
تدخله الملائكة » [رواه البخاري ومسلم] النمرقة: وسادة صغيرة. وخرج مسلم أيضا
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفا إلا سويته.
وخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا
نقضه. ورواه الكشميهني بلفظ «تصاوير» وترجم عليه البخاري رحمه الله بـ «باب نقض
الصور» وساق هذا الحديث. وفي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على:
1 ـ تحريم تعليق
الصور أو ما فيه صورة والأمر بطمسها.
2 ـ تحريم تصويرها سواء كانت مجسمة أو غير
مجسمة لها ظل أو لا ظل لها وهذا مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم، قال النووي رحمه الله: وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل،
وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقًا، وهو مذهب باطل، فإن السّتر الذي
أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل ومع ذلك أمر بنزعه. [مسلم بشرح النووي]
3 ـ أن الصور والتماثيل مانعة من دخول الملائكة.
قطع رأس الصورة يزيل تحريمها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة». [صحيح الجامع]
وخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان
على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب،
فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر
فليقطع فليجعل منه وسادتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا
بالكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج. هذا لفظ أبي داود، ولفظ
الترمذي نحوه، ولفظ النسائي: استأذن جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادخل) فقال كيف
أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطا يوطأ، فإنا
معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير. اهـ.
قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله
ـ: وفي هذا الحديث دلالة على أن الصورة إذا قطع رأسها جاز تركها في البيت لأنها
تكون كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن تصوير الشجر ونحوه مما لا روح فيه
جائز.
ويستدل بالحديث المذكور أيضا على أن قطع غير الرأس من الصور كقطع نصفها
الأسفل ونحوه لا يكفي ولا يبيح استعمالها، ولا يزول به المانع من دخول
الملائكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصور ومحوها، وأخبر أنها تمنع من دخول
الملائكة إلا ما امتهن منها، أو قطع رأسه، فمن ادعى مسوغا لبقاء الصورة في
البيت غير هذين الأمرين فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة
والسلام.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة.
وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها
للجمادات. والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه
وفيه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه
عند من عقل عن الله ورسوله مراده.
وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما
يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع، لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمه،
وليس لأحد أن يستثني من عمومها إلا ما استثناه الشارع.
ولا فرق في هذا بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة في ستر أو قرطاس أو نحوهما، ولا بين صور
الآدميين وغيرها من كل ذي روح، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم، بل التحريم
في صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد، لأن الفتنة بهم أعظم ونصب
صورهم في المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من
دون الله، كما وقع ذلك لقوم نوح. [القول المفيد في حكم التصوير]
الخميس نوفمبر 28, 2013 10:09 am من طرف admin
» سيف الله المسلول
الخميس نوفمبر 28, 2013 10:01 am من طرف admin
» تفسير آيات الصيام في سوره البقرة
الخميس مايو 05, 2011 11:16 pm من طرف فهوودي
» قضية اللغة والصوت للخليل
السبت أبريل 02, 2011 10:36 am من طرف admin
» آية الصوم من سورة الأحزاب:
السبت أغسطس 21, 2010 1:50 pm من طرف ابن الازهر
» آيات الصوم من سورة المجادلة:
السبت أغسطس 21, 2010 1:43 pm من طرف ابن الازهر
» آيات الصوم من سورة المائدة:
السبت أغسطس 21, 2010 1:36 pm من طرف ابن الازهر
» آية الصوم من سورة النساء
السبت أغسطس 21, 2010 1:29 pm من طرف ابن الازهر
» كيف نستقبل شهر رمضـان ؟
الجمعة أغسطس 20, 2010 2:34 pm من طرف admin